كتبت جودي لي، منسقة برنامج الديمقراطية والصراع والحوكمة، أن موجات الاحتجاجات المناهضة للحكومات اجتاحت عام 2025 عشرات الدول من أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا. خرجت مظاهرات جديدة في أكثر من سبعين دولة. صنّف متتبع الاحتجاجات العالمي التابع لمؤسسة كارنيجي هذه الدول بين “حرة” و“حرة جزئيًا” و“غير حرة”، لكن القاسم المشترك بينها ظل واحدًا: غضب شعبي على الفساد، وتمدد سلطوي يبتلع المجال العام، وضغوط اقتصادية خانقة.
أشارت مؤسسة كارنيجي إلى أن الفساد أشعل جزءَا كبيرًا من الاحتجاجات المرصودة هذا العام، بينما حرّكت تجاوزات الحكومات المعادية للديمقراطية والمشقة الاقتصادية بقية المشاهد، إذ حمل الشارع رسائل مساءلة ومقاومة لسياسات اعتبرها المواطنون جائرة أو فاسدة.
أولًا - الفساد كشرارة مباشرة وغضب متراكم
فجّرت فضائح محددة موجات احتجاج في مناطق متعددة. في مارس، اندلعت تظاهرات في مقدونيا الشمالية تنديدًا بفساد ورشى ارتبطت بحريق نادٍ ليلي قَتَل عددًا من الأشخاص. في إسبانيا، نزل أكثر من 45 ألف متظاهر إلى الشوارع لانتقاد رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بسبب ملفات سياسية وفضائح تحيط بإدارته. في جامبيا، دفع استمرار الفساد المحتجين إلى المطالبة بالمحاسبة. وفي نيبال، قادت احتجاجات جيل زد ضد المحسوبية والفساد إلى استقالة رئيس الوزراء ك. ب. شارما أولي. بالتزامن، خرج شباب الفلبين احتجاجًا على فساد طال مشاريع التحكم بالفيضانات.
في دول أخرى، لم يعد الفساد مجرد حادثة، بل تراكم شعبي ضد سوء الإدارة. في منغوليا، انطلقت التظاهرات اعتراضًا على إنفاق فاحش نسب إلى نجل رئيس الوزراء لوفساننامسراين أويون-إرديني، ثم توسّعت إلى حركة مناهِضة للفساد أطاحت به. في إندونيسيا، احتج شباب على رواتب النواب المرتفعة بوصفها رمزًا لفساد مزمن. في المغرب، اشتعلت احتجاجات شبابية بسبب إنفاق حكومي غير مناسب وإهمال الخدمات. في المكسيك، أثار اغتيال عمدة أوروابان كارلوس ألبرتو مانزو احتجاجات وطنية ضد الفساد والجريمة العنيفة. وفي صربيا، تحولت تظاهرات بدأت بعد انهيار سقف محطة قطارات في نوفي ساد إلى حركة واسعة مناهضة للفساد وحكومة الرئيس ألكسندر فوتشيتش.
ثانيًا - تمدد استبدادي يضيّق الحريات
واصلت تجاوزات الحكومات المعادية للديمقراطية دفع الناس إلى الشارع. في إندونيسيا، احتج طلاب ونشطاء على تعديلات قانون الخدمة العسكرية التي سمحت للعسكريين بتولي مناصب مدنية، ما وسّع نفوذ الجيش في الحكم. في جمهورية أفريقيا الوسطى، واجه الرئيس فوستان-أرشانج تواديرا احتجاجات بعد سعيه لولاية ثالثة. في مالي، تصاعدت التظاهرات عندما مددت الحكومة العسكرية حكمها خمس سنوات وحلّت الأحزاب. في توغو، فجّر رفع القيود عن عدد ولايات الرئيس احتجاجات دامية قادها شباب غاضبون من تمديد حكم فور غناسينغبي.
في أوكرانيا، تظاهر الآلاف رفضًا لقانون يهدد استقلال هيئات مكافحة الفساد عبر إخضاعها لإشراف المدعي العام المعيَّن من الرئاسة. وفي البرازيل، واجه قانون “التحصين” الذي يمنح مزيدًا من الحصانة للنواب موجات غضب. كما شهدت الولايات المتحدة احتجاجات متكررة ضد ما اعتُبر ممارسات سلطوية للرئيس دونالد ترامب وإدارته. وتحرّك الشارع أيضًا ردًا على استهداف المعارضة والمجتمع المدني، مثل الاحتجاج في إسرائيل على إقالة رئيس جهاز الشاباك رونين بار، وفي ساحل العاج على منع مرشحي المعارضة، وفي تركيا على اعتقال شخصيات معارضة. وخيم القلق من تقييد الحقوق على احتجاجات في سلوفاكيا والمملكة المتحدة وهنغاريا بسبب قوانين تمس المجتمع المدني وحقوق الأقليات.
ثالثًا - اقتصاد يضغط واحتجاجات يتوارثها الشباب
دفعت الإجراءات التقشفية في بلجيكا وإندونيسيا وفرنسا وسلوفاكيا ورومانيا والأرجنتين جماهير إلى الشارع رفضًا لإصلاحات طالت التقاعد والتعليم وحقوق العمال. في اليونان وتشيلي، طالب العمال بحماية ومزايا أكبر. وفي أنغولا والإكوادور، خرجت حشود احتجاجًا على ارتفاع أسعار الوقود. أما في إسبانيا، فأشعلت الإيجارات المرتفعة، المتأثرة بازدهار السياحة، احتجاجات واسعة تطالب بسكن ميسور.
استمر زخم احتجاجات انطلقت في 2024 طوال 2025، مثل الحراك الصربي المضاد للفساد واحتجاجات جورجيا المرتبطة بالانتخابات والانضمام للاتحاد الأوروبي. وتكررت موجات متقطعة في تركيا وفرنسا وبلجيكا وإسرائيل وفق قرارات حكومية مفصلية. كما تواصلت تظاهرات تنتقد الحرب في غزة حول العالم من إيطاليا والمغرب إلى ماليزيا وأستراليا.
رأى مراقبون في تصاعد الاحتجاجات الشبابية عبر دول عدة بروز “موجة جيل زد” عالمية، خصوصًا مع تبادل الرموز مثل علم القراصنة من أنمي ون بيس. غير أن بيانات المتتبع العالمي تشير إلى أن قيادة الشباب للاحتجاجات ليست جديدة؛ فقد شهدت أعوام سابقة معدلات مماثلة أو أعلى. يبقى السؤال مفتوحًا: هل تتحول هذه الشرارات المتناثرة إلى موجة مترابطة تغيّر قواعد اللعبة عالميًا، أم تظل انتفاضات محلية لصرخة كونية واحدة؟
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/12/global-protests-2025-genz-corruption-economy?lang=en

